المبحث الأول: مفهوم الإرهاب
المطلب الأول: تعريف الإرهاب في اللغة:
الإرهاب بمعنى الإزعاج والإخافة ، تقول : ويقشعر الإهاب إذا وقع منه الإرهاب . وكذلك بمعنى التخويف، في نطاق العبادات الإسلامية، مخافة الله وهي قمة الإيمان، ويعنى به استعمال العنف مثل الاختطاف والتخريب والاغتيالات من قبل هيئات سياسية أو من قبل الأفراد لتحقيق أهداف معينة. والاتجاهات الإرهابية في الغرب كثيرة تعلن عن نفسها بشتى الطرق. فالتوسع في مصطلح الإرهاب إلى مفهوم " Terrorisme " حتى إذا كان بريئًا يتعارض مع مسلك الإسلام في التعامل مع العنف .. وبالتالي مع الرهبة في مفهومها الإسلامي .
رَهِبَ بالكسر يَرْهَبُ رَهْبَةً ورُهْباً بالضم ورَهَباً بالتحريك أَي خافَ ورَهِبَ الشيءَ رَهْباً ورَهَباً ورَهْبةً خافَه والاسم الرُّهْبُ والرُّهْبى والرَّهَبوتُ والرَّهَبُوتى ورَجلٌ رَهَبُوتٌ يقال رَهَبُوتٌ خَيرٌ مِنْ رَحَمُوتٍ أَي لأَن تُرْهَبَ خَيرٌ من أَنْ تُرْحَمَ وتَرَهَّبَ غيرَه إِذا تَوَعَّدَه .
فالمعنى اللغوي يشمل إرهاب العدو وإرهاب النفس مخافة الله وهذا محمود، ويشمل إرهاب الغير ظلماً وعدواناً وهذا مذموم.
المطلب الثاني: مفردة الإرهاب في القرآن الكريم:
وردت مفردة الإرهاب في القرآن الكريم في معرض المدح وتارة أخرى في معرض الذم رغم أن المعنى في كلا المعرضين واحد وهو الخوف.
أولاً :الآيات التي جاءت في معرض المدح:
قال تعالى :{وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } وقوله: "ترهبون" أي: تخوفون . تخزون به عدو الله وعدوكم .
قال تعالى :{لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} أي: يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله . يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: لأنتم أيها المؤمنون أشدّ رهبة في صدور اليهود من بني النضير من الله، يقول: هم يرهبونهم أشدّ من رهبتهم من الله .
قال تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} وقوله: { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أي: فاخشون، أن أنزل بكم ما أنزل بمن كان قبلكم من آبائكم ، وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة، لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول والاتعاظ بالقرآن وزواجره، وامتثال أوامره، وتصديق أخباره، والله الهادي لمن يشاء إلى صراطه المستقيم .
قال تعالى :{وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} إنه من باب الطلب، أي: ارهبوا أن تشركوا به . فإياي فاتقوا وخافوا عقابي بمعصيتكم إياي إن عصيتموني وعبدتم غيري، أو أشركتم في عبادتكم لي شريكا .
قال تعالى :{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} { رَغَبًا } فيما عندنا، { وَرَهَبًا } مما عندنا . ( رَغَبا) أنهم كانوا يعبدونه رغبة منهم فيما يرجون منه من رحمته وفضله(وَرَهَبا ) يعني رهبة منهم من عذابه وعقابه ، بتركهم عبادته وركوبهم معصيته .
قال تعالى :{وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} ضمن الرهبة معنى الخضوع؛ ولهذا عدَّاها باللام . للذين يخافون الله ويخشون عقابَه على معاصيه .
ثانياً: الآيات التي جاءت في معرض الذم:
قال تعالى :{قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }
أي: خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوه له حقيقة في الخارج، ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال . واسترهبوا الناس بما سحروا في أعينهم، حتى خافوا من العصيّ والحبال، ظنًّا منهم أنها حيات .
قال تعالى :{اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} من الفزع أو من الرعب، مما حصل لك من خوفك من الحية، والظاهر أن المراد أعم من هذا، وهو أنه أمر عليه السلام، إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرهب، وهي يده، فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف. وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يديه على فؤاده، فإنه يزول عنه ما يجد أو يَخف، إن شاء الله، وبه الثقة .وقوله
مِنَ الرَّهْبِ ) يقول: من الخوف والفرَق الذي قد نالك من معاينتك ما عاينت من هول الحية .
بهذا نجد القرآن الكريم قسم الإرهاب إلى اثنين إرهاب ممدوح وإرهاب مذموم.
المطلب الثالث: مفردة الإرهاب في السنة المطهرة:
لم ترد كلمة الإرهاب في السنة المطهرة وإنما جاءت بالمعنى وانتهجت نهج القرآن في التقسيم إلى ممدوح ومذموم.
أولاً: الإرهاب الممدوح:
1/ عن أبى هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق » .
2/ عن عبد الله بن عمرو ، رضي الله عنهما ، قال : : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من قتل دون ماله فهو شهيد .
3/ عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (لكل نبي رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله عز و جل) .
ثانياً: الإرهاب المذموم:
1/ قوله صلى الله عليه وسلم ( من أخاف مؤمناً بغير حق كان حقاً على الله أن لا يؤمنه من أفزاع يوم القيامة ) .
2/ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدرى أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار » .
3/ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من نظر إلى أخيه نظرة تخيفه أخافه الله يوم القيامة " وفي الرواية الأخرى: " من نظر إلى مسلم نظرة يخيفه بها أخافه الله يوم القيامة " .
4/ قوله صلى الله عليه وسلم- « من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه » .
5/ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً » .
6/ حديث: (لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم) .
المطلب الرابع: تعريف الإرهاب في الفقه الإسلامي:
يحرم الإسلام الأفعال العدوانية التي تتنافى مع سماحته، أفعال التخويف والرعب، فمعنى الإرهاب في الفقه الإسلامي هو التخويف والرعب وارتكاب أفعال موسومة بالشدة والقهر والبطش، وكذلك هو عمل غير مشروع في دوافعه ومناهجه وأساليبه وغايته .
وكذلك عرف الإرهاب بأنه: إفزاع العدو وتخويفه وإلقاء الرعب في قلبه بفعل امتلاك أدوات التقدم الحربي والتفاوت المادي والمعنوي مما يساعد في إقرار المبادئ ونشر الأفكار دون الاعتداء على الآخرين .
من هنا نجد أنفسنا أمام اثنين من التعاريف وكل نقيض الآخر أحدهما غير مشروع والثاني مشروع، والذي يعنينا في هذا البحث هو الإرهاب الغير مشروع.
المطلب الخامس: تعريف الإرهاب في القانون:
هو منهج لاستخدام العنف في المنازعات، يرمي الفاعل بمقتضاه وبواسطة الرهبة، النابعة عن العنف إلى تغلب رأيه السياسي أو إلى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة .
وعرف الإرهاب بأنه، فعل عدواني صادر عن إرادة جنائية، يرتب عليه القانون عقاباً، أو تدبيراً جنائياً .
وكذلك عرف بأنه، الجريمة الإرهابية هي الفعل الإجرامي الذي يسبب ضرراً لمصلحة حماها المشرع بموجب القانون .
وعرف الإرهاب أيضاً بأنه، عمل عدواني وراءه دافع سياسي، أياً كانت الوسيلة المستخدمة فيه، وهو منظم بحيث يخلق حالة من الخوف والهلع في وسط معين من الناس، لتحقيق أهداف محددة أو لنشر دعاية لغرض ما أو مظلمة، سواء أكان الجاني يعمل لنفسه أو نيابة عن جهة تمثل شبه دولة أم بالنيابة عن دولة بصورة مباشرة، أو غير مباشرة .
وعرف الإرهاب أيضاً بأنه: الاستخدام المنظم للعنف للوصول، إلى مزايا سياسية .
كما عرفته لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، بأنه يقصد به الأعمال الإرهابية، والأفعال الإجرامية، الموجهة ضد دولة أخرى والتي يكون من طبيعتها أو من شأنها خلق حالة من الخوف لدى قادتها، أو حكامها أو مجموعة من الأشخاص عامة أو مواطنين .
المطلب السادس: تعريف الإرهاب في القوانين السودانية :
القوانين السودانية تناولت تعريف الإرهاب والجريمة الإرهابية والإرهابي والعمل الإرهابي مستصحبة في تعاريفها المعاهدات والاتفاقيات والبرتوكولات الدولية التي صادق عليها السودان.
نجد قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2001م عرف الإرهاب والجريمة الإرهابية في المادة(2) منه: أ/ الإرهاب: يقصد به كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم، بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بالأموال العامة أو الخاصة أو بأحد المرافق أو الممتلكات العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر .
هذا التعريف فيه نوع من التفصيل الذي لا يغني، فتعريف الحصر لا يفيد لأن الحوادث متجددة.
ب/ الجريمة الإرهابية: يقصد بها أي فعل أو الشروع فيه يرتكب تنفيذاً لقصد إرهابي ويشمل الأفعال والجرائم الإرهابية المنصوص عليها في الاتفاقيات التي وقعت عليها حكومة جمهورية السودان، وصودق عليها وفق أحكام الدستور عدا ما تم استثناؤه أو التحفظ عليه.
هذا التعريف للجريمة الإرهابية فيه إحالة واضحة، لا تساعد على فهم الجريمة الإرهابية بصورة واضحة.
أما قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لسنة 2014م، عرف الإرهابي والعمل الإرهابي، في المادة (3) منه: 1/ الإرهابي: يقصد به أي شخص طبيعي: (أ)يرتكب أو يحاول ارتكاب أعمال إرهابية بأي وسيلة كانت، مباشرة أو غير مباشرة وبشكل غير مشروع وبإرادته. (ب)يساهم كشريك في أعمال إرهابية. (ج)ينظم أو يأمر أشخاصاً آخرين بارتكاب أعمال إرهابية. (د)يساهم في ارتكاب أعمال إرهابية من قبل مجموعة أشخاص بهدف توسيع العمل الإرهابي أو مع العلم بنية المجموعة في ارتكاب عمل إرهابي.
هذا التعريف أفضل من التعريفات التي جاءت في قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2001م حيث ذكر في التعريف كلمة وبشكل غير مشروع حتى يخرج منها الدفاع عن النفس والعرض والمال والوطن وأعمال المقاومة المشروعة.
2/ العمل الإرهابي: يقصد به أي من الأعمال الآتية: (أ)العمل الذي يشكل جريمة في نطاق أو حسب التعريف الوارد في أي من المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات المتعلقة بالإرهاب التي صادق عليها السودان. (ب)أي عمل يتم بهدف التسبب في موت شخص مدني أو أي شخص آخر أو اصابته بجروح بدنية جسيمة، عندما يكون هذا الشخص غير مشترك في أعمال عدائية في حالة نشوب نزاع مسلح، أو عندما يكون غرض هذا العمل، بحكم طبيعته أو في سياقه، موجهاً لترويع السكان، أو لإرغام حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أو الامتناع عن القيام به.(ج)أي عمل يعتبر عملاً إرهابياً بموجب أحكام قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2001م.
هذا التفصيل معيب كما ذكرنا آنفاً، الاجمال مع ذكر المثال أفضل من الحصر.
كل هذه التعاريف تصب في الإرهاب غير المشروع والذي يهدد الدول أو الأشخاص ولكنه لم يتطرق للأمن الشخصي، وكذلك حاول البعض أن يربطه بالعمل السياسي أو الأيديولوجي، والبعض حاول أن يربط بينه وبين الإرهاب المشروع (المقاومة المشروعة).
فالإرهاب ظاهرة، تبلورت فكرتها عند الجميع وكل ينظر لها من طريق مختلف، ولذلك يصعب وضع تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لها.
فيمكن أن نعرف الإرهاب، بأنه : أي عمل يستخدم فيه القوة عدواناً يفضي إلى زرع الخوف وعدم الطمأنينة من غير وجه حق في نفوس الأفراد والجماعات والدول.
شرح مفردات التعريف: أي عمل تستخدم فيه القوة يصلح أن يسمى عمل إرهابي، والعمل العدواني تستخدم فيه القوة، وقولنا عدواني أي فيه اعتداء من غير وجه حق، وينتج منه زرع الخوف وعدم الطمأنينة سواء صدر العدوان من فرد أو جماعة أو دولة، وقولنا من غير وجه حق حتى يخرج من التعريف الجهاد المشروع وأعمال المقاومة المشروعة، وزرع الخوف وعدم الطمأنينة يقع على الأفراد والجماعات والدول على حد سواء.